الاثنين، 17 يناير 2011

أيها التونسيون احموا انتفاضتكم وحكموا صوت العقل

مختار الدبابي*

أثبت الشعب التونسي أنه يحب الحياة، دون أن تقف هذه الحياة عند الخبز والماء والوظيفة، ولذلك خرج بالآلاف إلى الشوارع باحثا عن نقلة نوعية في واقع البلاد تضمن له الحق في العمل والحرية؛ الحرية الشخصية وحرية الرأي والإعلام والتعددية السياسية ودفاعا عن النزاهة في مواجهة الفساد والمحسوبية.
هناك تفاعل كبير وواسع في مختلف الأقطار والعواصم بما تحقق من جرأة وصمود وقوة لهذا الشعب الذي يعيش الأيام الأخيرة على وقع الحلم والأمل.
ولأن نشوة الفرح لا ينبغي أن تمتد زمنا طويلا، فإن التونسيين مطالبون بأن يفكروا في البناء والمحافظة على البلاد وإعادة الحياة إلى الحركة التجارية والاقتصادية وتفعيل الإدارة لأجل أن تحمي مصالح الناس والتنبه سريعا إلى أن حالة الفراغ السياسي والإداري والأمني قد تهدم الكثير من مكاسب الشعب ومواطن العمل الحاصلة حاليا.
وهناك من التونسيين من يطالب بإعلان سريع لعودة الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم وفتح أبواب الوزارات والبلديات ومختلف المؤسسات الخدمية لأن غيابها يهدد بسقوط الدولة وتلاشيها ويشرّع للفوضى بدل أن يقطع الطريق عليها.
وهناك تخوفات واسعة من أن تواصل الفراغ قد يؤدي إلى افتقاد السلع التموينية مثلما تشي به الطوابير على الخبز والدقيق، وهذا الفراغ مؤشر سيء على توسع البطالة وافتقاد آلاف الوظائف الجديدة من بعض القطاعات الحساسة.
فالسياحة التي هي مورد رزق مئات الآلاف من المواطنين مهددة بشكل جلي في ظل مخاوف السياح الأجانب والشركات المنظمة للرحلات السياحية من تطورات الوضع الأمني وغموض الأفق السياسي في البلاد، بالإضافة إلى الشركات الأجنبية التي تستثمر بتونس وتشغّل عمالة كثيرة، وإذا استمر العنف واتسعت دائرة الفوضى فإنها قد تبدأ في مراجعة وضعها.
كما أن دول الجوار التي كانت تونس عنوانا للأمن والاستقرار بالنسبة إلى مواطنيها، يذهبون إليها للسياحة والتجارة والتمتع بالخدمات الصحية المتطورة، هذه الدول لا شك أنها ستراقب ما يجري في تونس بقلق، وهو ما عبّر عنه القائد الليبي معمر القذافي في كلمة وجهها مساء السبت إلى الشعب التونسي.
ويحتاج هؤلاء جميعا إلى طمأنة من الشارع ومن المعارضة ومن الحكومة الانتقالية بأن تونس ستواصل انفتاحها على الخارج والإيفاء بالتزاماتها وعلاقاتها إقليميا ودوليا، ولا شك أن أفضل طمأنة لهؤلاء أن تدافع الطبقة السياسية الجديدة في تونس عن خطاب الاعتدال والانتقال المرحلي الهادئ نحو ديمقراطية المؤسسات.
يضاف إلى هذا أمر مهم جدا، وهو الرهان على الكفاءات المختصة وتسليمها مهام التصحيح والتطوير سواء أكان ذلك في الحكومة أو في بقية المؤسسات المرتبطة بالوزارات، وهذا يعني أن يتم توزيع المسؤوليات وفق الحاجة الوطنية وليس في صيغة المحاصصة الحزبية، وفي هذا السياق يتخوف الكثير من التونسيين أن تعود آفة المحسوبية التي طردوها بالمظاهرات العارمة من بوابة الأحزاب والحركات السياسية التي ستكون طرفا في الحكومة الانتقالية أو في الحكومة التي تتشكل في الأشهر الأخيرة.
وإننا ندعو الله أن تؤول الأوضاع في تونس إلى الهدوء وأن يقطف التونسيون ثمرات نضالهم بشكل سلمي وأن يكون الحوار طريقهم الوحيد إلى البناء، ونود هنا أن نوجه نداء إلى الدول العربية المختلفة وإلى الجامعة العربية كي يدعموا تونس في هذه اللحظة التاريخية المهمة ويعينوا أهلها على إعادة الاستقرار وعودة مختلف مؤسسات الدولة إلى سالف نشاطها.
يكفي العرب سلبية وفرجة، فإذا لم تؤازر الأمة التونسيين في الوصول إلى الاستقرار وتخلت عن أمانيهم في الحرية ومحاربة الفساد، فإنها تضعهم أمام المجهول وتفسح الطريق لمختلف التنظيمات الباحثة عن توتير الوضع الأمني في هذا البلد الذي لا يمكن أن يعيش دون استقرار واعتدال، فهما عملته الوحيدة إلى الخارج وبوابته إلى التنمية.
سلبية العرب تجاه تونس قد تفتح الباب لـ"قاعدة المغرب الإسلامي" كي تتسرب إلى البلد وتمارس الخطف والقتل والتفجير العبثي وتدفع البلاد إلى حرب أهلية، وستكون النتائج وخيمة ليس فقط على تونس بل على محيطها كله.
ولهذا، فإننا ندعو الجامعة العربية إلى أن تتجاوز مرحلة المراقبة والمتابعة من بعيد وأن تدخل على الخط لمساعدة التونسيين على إعادة بناء مؤسساتهم ونزع الخوف من الصدور..
وفي الأخير نوجه نداء إلى التونسيين جميعا من مختلف الأحزاب والحركات: احموا انتفاضتكم وحكموا العقل كي تصلوا بها إلى بر الأمان، واحذروا الانتقام والترويع فهما بوابة النهاية لأي حلم مهما دفعتم لأجله من تضحيات.

*افتتاحية العرب 17 – 1 - 2011