التحالف الحكومي والمعارضة في تونس: الهروب إلى الأمام للتغطية على التناقضات الداخلية
ميدل ايست أونلاين
مختار الدبابي
لم يفهم الكثير من التونسيين سر التصعيد بين حكومة الأحزاب الثلاثة وبين المعارضة، وهناك سؤال يطرح بكل إلحاح بعد المواجهات الحادة التي شهدها يوم التاسع من ابريل/ نيسان الجاري: أي خفايا لمعركة كسر العظم بين النهضة وخصومها؟
هناك مؤشرات على أن هذا التصعيد يعكس ارتباكا من الجانبين ومحاولة للهروب إلى الأمام للتغطية على وضع حزبي عجز عن مواكبة الحالة الديمقراطية بما توفره من فرص للحوار مع الناس وعرض الأفكار والبرامج والسعي لرسم عناصر التميز عن الآخر فكريا وسياسيا.
خلط الأوراق في ساحة تحكمها الفوضى والغموض ليس سوى عمل مرتّب غايته الوصول إلى الانتخابات في ظروف شبيهة بالانتخابات السابقة حيث فضل 48% من التونسيين عدم التصويت لأنهم لم يقدروا على التمييز بين أحزاب فاقت المئة.
والحقيقة التي يعرفها الشارع التونسي، والكثير من المثقفين والفاعلين السياسيين والحقوقيين، أن المعارضة لم تكن لها برامج قبل ثورة 14 يناير، كان برنامجها الوحيد نقد النظام، وحين جاءت الثورة لم تجد هذه الأحزاب إلى غاية انتخابات 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011 الوقت لتقدم برامج وليدة دراسات معمقة ونقاشات داخلية، عدا أحزاب قليلة قدمت برامج حتى وإنْ كان بعضها متعجلا ومربكا.
وليست البرامج وحدها التي تعوز غالبية الأحزاب الفاعلة، بل هناك أزمات داخلية وخلافات وانشقاقات يتحتم تأجيل صعودها إلى السطح عبر الهروب إلى الأمام واختلاق عدو في هيئة نظام بن علي والدعوة إلى الإطاحة به (بالنسبة إلى المعارضة)، أو تصوير المعارضة كما كان يصورها النظام السابق بكونها خائنة وتمارس التحريض والتآمر لدى السفارات الأجنبية (بالنسبة إلى الحكومة).
وتكفي متابعة الصحف والمواقع الإلكترونية وصفحات شبكات التواصل الاجتماعي لمعرفة أزمات مختلف الأحزاب والخلافات التي تتهددها.
حركة النهضة، التي تتزعم الحكومة وتستفيد من حالة الأزمة المفتوحة ولعبة خلط الأوراق وإغراق الساحة في قضايا هامشية، تكاد تكون التنظيم الوحيد الذي يخلو من الانشقاقات وصراع الأجنحة والزعامات الذي تعجز المؤسسات الداخلية عن تحمله فيخرج إلى الصحف والمقاهي.
فباستثناء انسحاب مجموعة من القيادات التاريخية البارزة (عبدالفتاح مورو وفاضل بلدي وبنعيسى الدمني) في بيان التبرؤ الشهير من حادثة حرق مقر الحزب الحاكم السابق (حادثة باب سويقة 1991) لم تعرف "النهضة" اتشقاقات تذكر.
لكن الأزمة التي يمكن أن تهدد النهضة وتربكها في الانتخابات هي قضية الشريعة، وقد هدأت هذه الأزمة ظرفيا لأن المجموعات الإسلامية من داخل النهضة وخارجها فضلت التوحد في مواجهة تصعيد المعارضة وخطاب المزايدة الذي تنتجه.
لو أن الأوضاع السياسية في البلاد كانت مستقرة، ربما لم تكن هذه الأزمة لتمر دون أن تحدث تصدعات في هذا الجسم الكبير المترامي الأطراف، الذي يجمع بين المتناقضات الفكرية والسياسية، يجمع من يؤمن بعلمانية أردوغان ويطالب باستنساخها، ومدنية عبدالفتاح مورو، وثورية راشد الغنوشي، وسلفية الصادق شورو والحبيب اللوز.
وحين أعلنت النهضة أن الفصل الأول من الدستور يكفي ولا حاجة للتنصيص على اعتبار الشريعة المصدر الوحيد أو مصدرا للتشريع، شهدت صفحات الشبكات الاجتماعية حملات تخوين واستخفاف وخيبة أمل من كون قيادات "النهضة" راعت مزايدات المجموعات العلمانية، وضغوط القوى الخارجية وتخلت عن المبدأ، وراجت تصريحات للقيادي الحبيب اللوز يعلن فيها معارضته للقرار ووصفه كثيرون بسبب ذلك بأنه الرجل المبدئي الذي يجب الاصطفاف وراءه لتبني خيار فرض الشريعة في الدستور.
إن المعارضة التي تسعى للتوتير وخلط الأوراق إنما تعطي الفرصة للنهضة كي تظل متماسكة داخليا وقوية الصلة بمحيطها الإسلامي وتصل إلى الانتخابات في أفضل الظروف، ونورد هنا تصريحا لأحد الشيوخ السلفيين الذين لديهم خلافات نوعية مع النهضة، لكنه يحث على دعمها في مواجهة "العدو" ما يؤكد أن "الساحة الإسلامية" تتقن المناورة وتتجاوز عن الخلافات الثانوية في مواجهة "العدو الاستراتيجي".
يقول الشيخ حسين العبيدي متحدثاً عن التحالف القائم بين فصائل التيار الإسلامي "نحن جيش مصطف متكون من عدة سرايا وكل سرية تحمل راية لا اله إلا الله والسرية الاولى المتمثلة في النهضة تقدمت واعطيناها الراية الكبرى لمواجهة العدو وبقينا نحن كسند لنلتحق بها وكلما تقدمت خطوة وتوغلت في الحكم إلا ونحن ورائها حتى نقيض من الداخل ونحقق التمكين ثم نمتد أما أن نبقى متفرجين ونهاجم بعضنا البعض فليس من الحكمة في شي".
أما شركاء النهضة في الحكومة فيعيشان حالة من الانقسامات، فالمؤتمر من أجل الجمهورية الذي يرأسه منصف المرزوقي فيعيش خلافات بدأت بالصراع بين قياداته حول قائمة الوزراء الذين يمثلون الحزب في حكومة التحالف، ثم حول الأمانة العامة للمؤتمر بعد استقالة المرزوقي منها لممارسة مهمة رئاسة الجمهورية استجابة لشروط القانون المنظم للسلط الذي أقره المجلس التأسيسي.
أما "التكتل من أجل العمل والحريات" الشريك الثالث في الحكومة فشهد "تمردا" على القيادة ممثلة في رئيس المجلس التأسيسي، والرئيس الاعتباري للحزب، بسبب تحالفها مع "النهضة" في الحكومة و"سكوتها" على التجاوزات التي تمت خاصة ما تعلق بالحريات العامة والخاصة من قبل السلفيين.
واعتبر المعارضون لبن جعفر أن التعامل السلس للحكومة مع المجموعات التي تكفّر السينمائيين والمثقفين وتهدد حقهم في الإبداع الحر إنما هو تغطية عليهم وضوء أخضر كي يواصلوا ما بدأوه وأن سكوت قيادة التكتل ووزرائها في الحكومة يدخل في خانة خيانة القاعدة الحزبية التي اختارتهم لكونهم مدافعين عن حقوق الإبداع وعن الحريات.
وشهد الحزب استقالات هنا وهناك طالت حتى نوابا للحزب في المجلس التأسيسي أبرزهم خميس قسيلة.
أما أحزاب المعارضة فتشهد انشقاقات تكاد تكون يومية رغم حركة التوحيد التي تشهدها الساحة التونسية لأحزاب متقاربة فكريا وسياسيا مثل "الحزب الجمهوري" الذي يمثل الحزب الديمقراطي التقدمي بقيادة عضوي المجلس التأسيس نجيب الشابي ومية الجريبي مركز الثقل فيه.
وبمجرد انتهاء أشغال المؤتمر الخامس للحزب ثم إعلان "التوحيد" في الحزب الجديد حتى شهد "الديمقراطي التقدمي" استقالات بالجملة من قيادات عليا ومتوسطة بسبب عدم رضاها عن التوحيد وخاصة عن أسماء القيادات التي صعدت من الحزب لتكون ممثلة في المؤسسات القيادية للحزب الجديد.
ومن أبرز القيادات التي علقت نشاطها بسبب "ما وقع في المؤتمر الخامس للحزب من تجاوزات وإخلال بالعملية الديمقراطية" تسعة نواب في المجلس التأسيسي يتقدمهم رئيس الكتلة محمد الحامدي.
وفي هذا الإطار أرجع عضو اللجنة المركزية وعضو الأمانة الوطنية للشباب وسيم بوثوري، في تصريح لصحيفة "الصباح" التونسية جذور ما يحدث داخل الحزب إلى فترة ما بعد الانتخابات قائلا "بعد هزيمة 23 أكتوبر 2011 (في الانتخابات) اجتمعت اللجنة المركزية للحزب وصادقت على تقرير يشخص أسباب الهزيمة ويحدد آليات الإصلاح داخل الحزب وانطلاقا من هذا التقرير بدا يتشكل تيار إصلاحي ينادى بضرورة تحديد آليات اتخاذ القرار وترشيد اتخاذ المواقف السياسية وتم الاتفاق على أن يكون المؤتمر القادم للتقدمي فرصة للإصلاح غير انه وخلافا لما وقع الاتفاق حوله فقد سبقت أشغال المؤتمر حملة تشويه استهدفت رموز التيار الإصلاحي."
ولا يقف الأمر عند الأحزاب المصنفة كبيرة من حيث عدد منخرطيها وتمثيليتها في المجلس التأسيسي، بل يمتد إلى مختلف الأحزاب الصغيرة الأخرى التي تتكون من عشرات المنخرطين ثم تتشظى سريعا لخلاف بين الشخصيات المؤسسة لها، ومنها ما اختفى لتوقف التمويل خاصة من رجال أعمال راهنوا على أن يجدوا لهم موطئ قدم في التأسيسي وحين فشلت الأحزاب التي أسسوها أو دعموها سحبوا التمويل.
والسؤال الذي يطرح في الساحة التونسية الآن، هل تنجح محاولات التوحيد التي بدأت خلال الأسابيع الأخيرة في إنقاذ الأحزاب ومن ثمة في إرساء التوازن بالساحة السياسية التي تبدو فيها "النهضة" اللاعب القوي والمنظم؟
الإجابة تكون بالإيجاب طبعا، لكن صعوبة تحقق هذا التوحيد يجعل المسألة معلقة بانتظار قدرة بعض الأحزاب والزعامات على تقديم التنازلات المؤلمة التي تقوي تياراتهم ولو تطلب الأمر إعلان الانسحاب الشخصي من الحياة السياسية أو رفض الترشح خاصة في الانتخابات الرئاسية.
الحديث عن توحيد أحزاب الوسط مطلب مهم لأطياف سياسية وحقوقية وإعلامية على أمل أن يرتقي إلى مستوى يكون فيه قوة توازن مع "النهضة" والمجموعات التي تدعمها، لكن أي وسط ومن يتحالف مع من؟
فالقوة الصاعدة الآن في "تيار الوسط" هي قوة المجموعات التي تريد أن تستظل بالظل البورقيبي، والتي يقودها رئيس الوزراء المتخلي الباجي قائد السبسي، وهي مجموعات تحاول الاستفادة من ارتباك الحكومة الحالية وقلة خبرتها ومن مخاوف دوائر حقوقية ورجال أعمال وفئات شعبية على مكاسبهم في ظلها.
قوة هذا القطب ليس في رهانه على الإرث البورقيبي وإنما في تجميع الغاضبين على حكومة النهضة، وخاصة الغاضبين على الثورة، ممن كانوا في الحزب الحاكم السابق أو المستفيدين منه والذين يتخوفون من فتح ملفات المحاسبة وكسر احتكارهم لبعض القطاعات والخدمات، يضاف إليهم جزء من التونسيين أصبح مقتنعا بأن الأحزاب الأيديولوجية لا تقدر على بناء الدولة وإدارتها وأن عودة "البورقيبيين" أهون الشرين.
قطب الباجي قائد السبسي يلقى دعما من أحزاب وسط اليسار (الذي يبحث له عن دور ما في هذا القطب) والجمعيات الحقوقية والمدنية والنقابية الغاضبة من طريقة إدارة "النهضة" للدولة وتخوفها على "قيم الحداثة" والمكتسبات المدنية بالبلاد، وتخوفها من أن تحقق الحكومة بعض النجاح فتستمر في السلطة بعد الانتخابات، كما تلقى "البورقيبة" دعما كبيرا من قطاع الإعلام الذي لوحظ فيه احتفاء خاص بمبادرة السبسي وبشخصيات شريكة له في السعي لاستعادة مجد "البورقيبية".
لكن الحكومة الحالية قد تضع منغصات أمام هذا الصعود البورقيبي من خلال سن قانون يمنع على من تحملوا مسؤوليات في الحزب الحاكم السابق الترشح للانتخابات، وهو ما يتم الترويج له إعلاميا وسياسيا من أنصار الأحزاب المشكلة للحكومة.
وعموما، فإن الأحزاب الذكية هي التي تربط مصيرها بالمواطن وتقترب منه فتعرف بنفسها وتقدم له رؤيتها للحلول أما حصر الصراع في دائرة الشعارات وتصفية الحسابات بين الفرقاء فيزيد من عزلة الأحزاب ويباعد بينها وبين القواعد الانتخابية الباحثة عن الاستقرار الأمني قبل الخبز في أحيان كثيرة.
مختار الدبابي
كاتب وإعلامي تونسي
ميدل ايست أونلاين
مختار الدبابي
لم يفهم الكثير من التونسيين سر التصعيد بين حكومة الأحزاب الثلاثة وبين المعارضة، وهناك سؤال يطرح بكل إلحاح بعد المواجهات الحادة التي شهدها يوم التاسع من ابريل/ نيسان الجاري: أي خفايا لمعركة كسر العظم بين النهضة وخصومها؟
هناك مؤشرات على أن هذا التصعيد يعكس ارتباكا من الجانبين ومحاولة للهروب إلى الأمام للتغطية على وضع حزبي عجز عن مواكبة الحالة الديمقراطية بما توفره من فرص للحوار مع الناس وعرض الأفكار والبرامج والسعي لرسم عناصر التميز عن الآخر فكريا وسياسيا.
خلط الأوراق في ساحة تحكمها الفوضى والغموض ليس سوى عمل مرتّب غايته الوصول إلى الانتخابات في ظروف شبيهة بالانتخابات السابقة حيث فضل 48% من التونسيين عدم التصويت لأنهم لم يقدروا على التمييز بين أحزاب فاقت المئة.
والحقيقة التي يعرفها الشارع التونسي، والكثير من المثقفين والفاعلين السياسيين والحقوقيين، أن المعارضة لم تكن لها برامج قبل ثورة 14 يناير، كان برنامجها الوحيد نقد النظام، وحين جاءت الثورة لم تجد هذه الأحزاب إلى غاية انتخابات 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011 الوقت لتقدم برامج وليدة دراسات معمقة ونقاشات داخلية، عدا أحزاب قليلة قدمت برامج حتى وإنْ كان بعضها متعجلا ومربكا.
وليست البرامج وحدها التي تعوز غالبية الأحزاب الفاعلة، بل هناك أزمات داخلية وخلافات وانشقاقات يتحتم تأجيل صعودها إلى السطح عبر الهروب إلى الأمام واختلاق عدو في هيئة نظام بن علي والدعوة إلى الإطاحة به (بالنسبة إلى المعارضة)، أو تصوير المعارضة كما كان يصورها النظام السابق بكونها خائنة وتمارس التحريض والتآمر لدى السفارات الأجنبية (بالنسبة إلى الحكومة).
وتكفي متابعة الصحف والمواقع الإلكترونية وصفحات شبكات التواصل الاجتماعي لمعرفة أزمات مختلف الأحزاب والخلافات التي تتهددها.
حركة النهضة، التي تتزعم الحكومة وتستفيد من حالة الأزمة المفتوحة ولعبة خلط الأوراق وإغراق الساحة في قضايا هامشية، تكاد تكون التنظيم الوحيد الذي يخلو من الانشقاقات وصراع الأجنحة والزعامات الذي تعجز المؤسسات الداخلية عن تحمله فيخرج إلى الصحف والمقاهي.
فباستثناء انسحاب مجموعة من القيادات التاريخية البارزة (عبدالفتاح مورو وفاضل بلدي وبنعيسى الدمني) في بيان التبرؤ الشهير من حادثة حرق مقر الحزب الحاكم السابق (حادثة باب سويقة 1991) لم تعرف "النهضة" اتشقاقات تذكر.
لكن الأزمة التي يمكن أن تهدد النهضة وتربكها في الانتخابات هي قضية الشريعة، وقد هدأت هذه الأزمة ظرفيا لأن المجموعات الإسلامية من داخل النهضة وخارجها فضلت التوحد في مواجهة تصعيد المعارضة وخطاب المزايدة الذي تنتجه.
لو أن الأوضاع السياسية في البلاد كانت مستقرة، ربما لم تكن هذه الأزمة لتمر دون أن تحدث تصدعات في هذا الجسم الكبير المترامي الأطراف، الذي يجمع بين المتناقضات الفكرية والسياسية، يجمع من يؤمن بعلمانية أردوغان ويطالب باستنساخها، ومدنية عبدالفتاح مورو، وثورية راشد الغنوشي، وسلفية الصادق شورو والحبيب اللوز.
وحين أعلنت النهضة أن الفصل الأول من الدستور يكفي ولا حاجة للتنصيص على اعتبار الشريعة المصدر الوحيد أو مصدرا للتشريع، شهدت صفحات الشبكات الاجتماعية حملات تخوين واستخفاف وخيبة أمل من كون قيادات "النهضة" راعت مزايدات المجموعات العلمانية، وضغوط القوى الخارجية وتخلت عن المبدأ، وراجت تصريحات للقيادي الحبيب اللوز يعلن فيها معارضته للقرار ووصفه كثيرون بسبب ذلك بأنه الرجل المبدئي الذي يجب الاصطفاف وراءه لتبني خيار فرض الشريعة في الدستور.
إن المعارضة التي تسعى للتوتير وخلط الأوراق إنما تعطي الفرصة للنهضة كي تظل متماسكة داخليا وقوية الصلة بمحيطها الإسلامي وتصل إلى الانتخابات في أفضل الظروف، ونورد هنا تصريحا لأحد الشيوخ السلفيين الذين لديهم خلافات نوعية مع النهضة، لكنه يحث على دعمها في مواجهة "العدو" ما يؤكد أن "الساحة الإسلامية" تتقن المناورة وتتجاوز عن الخلافات الثانوية في مواجهة "العدو الاستراتيجي".
يقول الشيخ حسين العبيدي متحدثاً عن التحالف القائم بين فصائل التيار الإسلامي "نحن جيش مصطف متكون من عدة سرايا وكل سرية تحمل راية لا اله إلا الله والسرية الاولى المتمثلة في النهضة تقدمت واعطيناها الراية الكبرى لمواجهة العدو وبقينا نحن كسند لنلتحق بها وكلما تقدمت خطوة وتوغلت في الحكم إلا ونحن ورائها حتى نقيض من الداخل ونحقق التمكين ثم نمتد أما أن نبقى متفرجين ونهاجم بعضنا البعض فليس من الحكمة في شي".
أما شركاء النهضة في الحكومة فيعيشان حالة من الانقسامات، فالمؤتمر من أجل الجمهورية الذي يرأسه منصف المرزوقي فيعيش خلافات بدأت بالصراع بين قياداته حول قائمة الوزراء الذين يمثلون الحزب في حكومة التحالف، ثم حول الأمانة العامة للمؤتمر بعد استقالة المرزوقي منها لممارسة مهمة رئاسة الجمهورية استجابة لشروط القانون المنظم للسلط الذي أقره المجلس التأسيسي.
أما "التكتل من أجل العمل والحريات" الشريك الثالث في الحكومة فشهد "تمردا" على القيادة ممثلة في رئيس المجلس التأسيسي، والرئيس الاعتباري للحزب، بسبب تحالفها مع "النهضة" في الحكومة و"سكوتها" على التجاوزات التي تمت خاصة ما تعلق بالحريات العامة والخاصة من قبل السلفيين.
واعتبر المعارضون لبن جعفر أن التعامل السلس للحكومة مع المجموعات التي تكفّر السينمائيين والمثقفين وتهدد حقهم في الإبداع الحر إنما هو تغطية عليهم وضوء أخضر كي يواصلوا ما بدأوه وأن سكوت قيادة التكتل ووزرائها في الحكومة يدخل في خانة خيانة القاعدة الحزبية التي اختارتهم لكونهم مدافعين عن حقوق الإبداع وعن الحريات.
وشهد الحزب استقالات هنا وهناك طالت حتى نوابا للحزب في المجلس التأسيسي أبرزهم خميس قسيلة.
أما أحزاب المعارضة فتشهد انشقاقات تكاد تكون يومية رغم حركة التوحيد التي تشهدها الساحة التونسية لأحزاب متقاربة فكريا وسياسيا مثل "الحزب الجمهوري" الذي يمثل الحزب الديمقراطي التقدمي بقيادة عضوي المجلس التأسيس نجيب الشابي ومية الجريبي مركز الثقل فيه.
وبمجرد انتهاء أشغال المؤتمر الخامس للحزب ثم إعلان "التوحيد" في الحزب الجديد حتى شهد "الديمقراطي التقدمي" استقالات بالجملة من قيادات عليا ومتوسطة بسبب عدم رضاها عن التوحيد وخاصة عن أسماء القيادات التي صعدت من الحزب لتكون ممثلة في المؤسسات القيادية للحزب الجديد.
ومن أبرز القيادات التي علقت نشاطها بسبب "ما وقع في المؤتمر الخامس للحزب من تجاوزات وإخلال بالعملية الديمقراطية" تسعة نواب في المجلس التأسيسي يتقدمهم رئيس الكتلة محمد الحامدي.
وفي هذا الإطار أرجع عضو اللجنة المركزية وعضو الأمانة الوطنية للشباب وسيم بوثوري، في تصريح لصحيفة "الصباح" التونسية جذور ما يحدث داخل الحزب إلى فترة ما بعد الانتخابات قائلا "بعد هزيمة 23 أكتوبر 2011 (في الانتخابات) اجتمعت اللجنة المركزية للحزب وصادقت على تقرير يشخص أسباب الهزيمة ويحدد آليات الإصلاح داخل الحزب وانطلاقا من هذا التقرير بدا يتشكل تيار إصلاحي ينادى بضرورة تحديد آليات اتخاذ القرار وترشيد اتخاذ المواقف السياسية وتم الاتفاق على أن يكون المؤتمر القادم للتقدمي فرصة للإصلاح غير انه وخلافا لما وقع الاتفاق حوله فقد سبقت أشغال المؤتمر حملة تشويه استهدفت رموز التيار الإصلاحي."
ولا يقف الأمر عند الأحزاب المصنفة كبيرة من حيث عدد منخرطيها وتمثيليتها في المجلس التأسيسي، بل يمتد إلى مختلف الأحزاب الصغيرة الأخرى التي تتكون من عشرات المنخرطين ثم تتشظى سريعا لخلاف بين الشخصيات المؤسسة لها، ومنها ما اختفى لتوقف التمويل خاصة من رجال أعمال راهنوا على أن يجدوا لهم موطئ قدم في التأسيسي وحين فشلت الأحزاب التي أسسوها أو دعموها سحبوا التمويل.
والسؤال الذي يطرح في الساحة التونسية الآن، هل تنجح محاولات التوحيد التي بدأت خلال الأسابيع الأخيرة في إنقاذ الأحزاب ومن ثمة في إرساء التوازن بالساحة السياسية التي تبدو فيها "النهضة" اللاعب القوي والمنظم؟
الإجابة تكون بالإيجاب طبعا، لكن صعوبة تحقق هذا التوحيد يجعل المسألة معلقة بانتظار قدرة بعض الأحزاب والزعامات على تقديم التنازلات المؤلمة التي تقوي تياراتهم ولو تطلب الأمر إعلان الانسحاب الشخصي من الحياة السياسية أو رفض الترشح خاصة في الانتخابات الرئاسية.
الحديث عن توحيد أحزاب الوسط مطلب مهم لأطياف سياسية وحقوقية وإعلامية على أمل أن يرتقي إلى مستوى يكون فيه قوة توازن مع "النهضة" والمجموعات التي تدعمها، لكن أي وسط ومن يتحالف مع من؟
فالقوة الصاعدة الآن في "تيار الوسط" هي قوة المجموعات التي تريد أن تستظل بالظل البورقيبي، والتي يقودها رئيس الوزراء المتخلي الباجي قائد السبسي، وهي مجموعات تحاول الاستفادة من ارتباك الحكومة الحالية وقلة خبرتها ومن مخاوف دوائر حقوقية ورجال أعمال وفئات شعبية على مكاسبهم في ظلها.
قوة هذا القطب ليس في رهانه على الإرث البورقيبي وإنما في تجميع الغاضبين على حكومة النهضة، وخاصة الغاضبين على الثورة، ممن كانوا في الحزب الحاكم السابق أو المستفيدين منه والذين يتخوفون من فتح ملفات المحاسبة وكسر احتكارهم لبعض القطاعات والخدمات، يضاف إليهم جزء من التونسيين أصبح مقتنعا بأن الأحزاب الأيديولوجية لا تقدر على بناء الدولة وإدارتها وأن عودة "البورقيبيين" أهون الشرين.
قطب الباجي قائد السبسي يلقى دعما من أحزاب وسط اليسار (الذي يبحث له عن دور ما في هذا القطب) والجمعيات الحقوقية والمدنية والنقابية الغاضبة من طريقة إدارة "النهضة" للدولة وتخوفها على "قيم الحداثة" والمكتسبات المدنية بالبلاد، وتخوفها من أن تحقق الحكومة بعض النجاح فتستمر في السلطة بعد الانتخابات، كما تلقى "البورقيبة" دعما كبيرا من قطاع الإعلام الذي لوحظ فيه احتفاء خاص بمبادرة السبسي وبشخصيات شريكة له في السعي لاستعادة مجد "البورقيبية".
لكن الحكومة الحالية قد تضع منغصات أمام هذا الصعود البورقيبي من خلال سن قانون يمنع على من تحملوا مسؤوليات في الحزب الحاكم السابق الترشح للانتخابات، وهو ما يتم الترويج له إعلاميا وسياسيا من أنصار الأحزاب المشكلة للحكومة.
وعموما، فإن الأحزاب الذكية هي التي تربط مصيرها بالمواطن وتقترب منه فتعرف بنفسها وتقدم له رؤيتها للحلول أما حصر الصراع في دائرة الشعارات وتصفية الحسابات بين الفرقاء فيزيد من عزلة الأحزاب ويباعد بينها وبين القواعد الانتخابية الباحثة عن الاستقرار الأمني قبل الخبز في أحيان كثيرة.
مختار الدبابي
كاتب وإعلامي تونسي
قدم شركة شام المثاليه بالدمام لعملائها الكرام افضل خدمه لمكافحة الحشرات ولكى تضمن القضاء عليها اطلب شركة مكافحة حشرات بالدمام لدينا فريق عمل مدرب ومتخصص فى هذا المجال نلتزم بالمواعيد والضمانات ونعمل باقل الاسعار ...نحن بجوارك دائما
ردحذفعملائنا الكرام بالدمام والمنطقه الشمليه والخبر من منطلق ثقتكم فينا نحن شركة شام المثاليه بالدماملما نقدمه من خدمات متطوره فى صيانة وتنظيف المسابح لذلك تعمل شركة صيانة مسابح بالدمامبكل جهدها لتقدم لكم الافضل دائما ..نلتزم بالمواعيد ..لدينا العماله الفنيه المتخصصه فى هذا المجال اطلبنا تجدنا دائما