الثلاثاء، 14 ديسمبر 2010

استهداف حزب الله: خنق لإيران أم استئصال للمقاومة؟

مختار الدبابي*

ليس هناك شك في أن ثمة مسرحية تعدها المحكمة الدولية الخاصة بقضية الحريري تنتهي فيها إلى اتهام حزب الله بالوقوف وراء الجريمة، وهو اتهام ممكن بل وأكيد لما خبره العرب عن بعض المنظمات التي تزعم أنها تعبّر عن القانون الدولي وتدافع عنه، وهي في الحقيقة أداة بيد الولايات المتحدة تمارس عبرها التضليل والابتزاز وتُمرر عبرها مشاريعها وخططها في محاصرة القوى التي يمكن أن تُعيق تمددها الاستعماري وهيمنتها على مقدرات الشعوب.
والأمثلة هنا كثيرة، وعلى رأسها المسرحية التي بررت غزو العراق بزعم أنه يمتلك أسلحة "محرمة" دوليا، ليتضح أن الاتهام قام على النية المبيتة وعلى مؤامرة اشتركت فيها الوكالة الذرية للطاقة والاستخبارات الأمريكية وبعض الأنظمة العربية "المعتدلة"، والقصة وما فيها أن العراق رفض أن يدخل بيت الطاعة الأمريكي وأن يهب نفطه وخيراته بأرخص الأثمان إلى قوى الاستعمار الجديد كما يفعل جيرانه العرب.
والقصة ذاتها تجري مع الرئيس السوداني عمر البشير الذي تطالب المحكمة الجنائية الدولية باعتقاله بدعوى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، لكن الحقيقة أن الرجل رفض أن يكون عرّابا لتفتيت بلاده أو وضع نفطها تحت القبضة الأمريكية.
ولا شك أن الحرب الإعلامية المفتوحة على حزب الله والتسريبات التي تبرز هنا وهناك عن دور مزعوم له في اغتيال الحريري لا تعدو أن تكون جزءا من ذات اللعبة، أي تحضير الشروط السياسية والإعلامية والقانونية اللازمة لضرب هذا الحزب سواء بحرب خارجية تتولاها إسرائيل أو من خلال توتير الوضع الداخلي ودفع اللبنانيين إلى حرب أهلية جديدة تستنفد إمكانيات الحزب وتقلّص من دائرة التعاطف الشعبي معه، وهي دائرة كبيرة وواسعة خاصة أن غالبية اللبنانيين تعترف لهذا الحزب المقاوم بالفضل الكبير في تحرير الأرض وطرد الاحتلال الإسرائيلي سنة 2000 ثم هزمه في معركة شرف كبيرة سنة 2006.
وإذا كانت لحظة استهداف حزب الله قادمة لا محالة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: مع من سيقف العرب؟
وهذا السؤال عنده مشروعية لدى الكثيرين، فهناك قناعة لدى طائفة من الجمهور العربي بأن الحزب لا يعدو أن يكون ذراعا إيرانية في مواجهة الولايات المتحدة وبوابة تفاوض وابتزاز على حساب القضايا العربية، محتجين بالدور المتآمر الذي لعبته إيران في غزو العراق والدعم الواسع الذي وفرته للقوات المحتلة.
وباعتقادنا أن التعامل العربي مع حزب الله يجب أن يغادر دائرة الحسابات الضيقة، لأن استهداف حزب الله وتصفية إمكانياته المقاومة الهدف الاستراتيجي منه هو ضرب القوى التي تُزعج إسرائيل وتهدد أمنها سواء تعلّق الأمر بحزب الله أو حماس أو الجهاد، تماما مثلما وقع الأمر مع حركة فتح سنة 1982 التي تم تشتيت مقاوميها في المنافي ولم تعُد إلا بعد أن اختارت قيادتها التخلي عن المقاومة ودخلت إلى مظلة التفاوض والاستسلام.
إن القوى الحية في الأمة سواء أكانت أحزابا أو حركات سياسية أو قوى فكرية وإعلامية أو جمهورا مطالبة بأن تنسى الخلافات المذهبية والتفاصيل الثانوية وتنحاز إلى حزب الله وتدعم وقوفه في وجه الصلف الأمريكي والصهيوني لأن نجاح الأعداء في هزمه عسكريا أو تجريده من السلاح يعني آليا فتح الباب أمام إسرائيل كي تتولى تصفية القضية الفلسطينية بالأسلوب الذي تريد، وفرض التطبيع على دول المنطقة بالشروط التي تضمن تفوقها الاستراتيجي.
بعد تصفية حزب الله أو تحجيم دوره سيأتي الدور على حماس والجهاد ومختلف المجموعات التي ما تزال تؤمن بالمقاومة ولو نظريا، ولا يبقى للأمة من خيار سوى التسليم بالأمر الواقع، ولا يمكن بأي حال أن تنخدع القوى الحية في الأمة باللعبة الإعلامية التي تتولاها بعض الأنظمة العربية والتي تريد أن تغيّر طبيعة الصراع وتجر الجميع إلى أتون الصراع المذهبي والطائفي لتصبح المعركة مع إيران بدل أن يتعمّق وعي أمتنا بالعداء لإسرائيل باعتبارها صنيعة امبريالية أريد لها أن تتولى منع العرب من خوض معارك التنمية والتطوير والتحديث وامتلاك ناصية العلم.
إن دول "الاعتدال" العربي التي تُحرّض على حزب الله وتُحرض على حماس، كما حرضت سابقا على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ليس لها من دور أو مهمة سوى تنفيذ الأجندات الأمريكية دون تفكير في المضار التي ستلحق بأمتهم بل وبأقطارهم وأمنها واقتصادها ومستقبلها.. هذه الأنظمة لا يهمها سوى الحفاظ على السلطة وضمان انتقالها بشكل سلس بين أفراد العائلات المستفيدة من بيع الذمة للأمريكيين والإسرائيليين.
وهكذا فإن استهداف حزب الله حتى وإن كان ضربة أمريكية موجعة لإيران، فهو في صميمه استهداف للأمة وقواها المقاومة وستكون له تداعيات خطيرة على المستقبل القريب والبعيد.

* نص افتتاحية العرب العالمية (24 - 11 - 2010)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق