الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

حرب بالوكالة: مواجهة بين واشنطن وطهران وقودها العرب

مختار الدبابي

لم يخيّب الرئيس الأمريكي الجديد الظن وسرعان ما اختار أن يفتح الطريق أمام الحرب من جديد ليؤكد لمن يؤمنون بنظرية المؤامرة أن حدسهم لا يخيب أبدا لأن الولايات المتحدة قامت على الحرب ولن تعيش دون حرب.
وهكذا نجد أنفسنا أمام بوش آخر، حتى وإن تغيّر لون البشرة وتجدد فريق العمل وتلونت الشعارات بدءا من البكاء حول صورة أمريكا التي تلوثت بفعل الأخطاء القديمة، مرورا بفشل الحرب في العراق، وصولا إلى الكارثة الاقتصادية.
الحرب الجديدة التي اختارها السيد أوباما ستكون على إيران، ويريد ألا تسيل فيها الدماء الأمريكية على أن تتفرق دماء الإيرانيين بين القبائل العربية، وهي قبائل فعلا وليس في التوصيف مجاز ولا استعارة..
هذه الحرب يمكن أن نطلق عليها حربا بالوكالة، ويكفي بأن نستدل بهذه القمم العربية الثنائية والثلاثية والرباعية التي تُعقد هنا وهناك وترفع شعار المصالحة وتنسيق المواقف وتقديم المتفق عليه على المختلف به لنكتشف أن الوجهة القادمة للعمل العربي \"المشترك\" ليس ضد إسرائيل ولا ضد أمريكا ولا ضد الأزمة الاقتصادية وإنما ضد إيران.
هناك رغبة ملحة في احتواء الأطراف التي تنتمي إلى ما يسمى بحلف الممانعة وتشترك مع إيران في الموقف تجاه ما يجري في القضايا المختلفة، فهذه بريطانيا تعرض التحاور مع حزب الله وتفتح نافذة للحزب المغضوب عليه لينفتح على العالم الغربي الذي كان دائما يتعامل معه كتنظيم \"إرهابي\" تابع لإيران.
الخطوة البريطانية تحاول اختبار ردة فعل حزب الله وتبيّن حجم موالاته لطهران، فضلا عن تقصي ملامح ما تبقّى من ثورية لدى حزب بدأ يكتفي بالدور القطري ويحارب من أجل أماكن إضافية في البرلمان ويجعل من السيطرة على شركات الاتصال هدفا رئيسيا.
لكنه في حرب غزة الأخيرة لم يطلق صاروخا واحدا لتخفيف الضغط عن حليف آخر لطهران في محنته رغم أن الجماهير العربية التي رقصت طربا لانتصاره سنة 2006 كانت تنتظر دورا قويا منه يرغم إسرائيل على أن تنسحب مهزومة..
اختفت \"الثورية\" واكتفى زعيم الحزب السيد حسن نصر الله بإلقاء خطابات يهاجم فيها النظام المصري ويستغرب كيف لا يشارك في فك الحصار الذي فرضته إسرائيل على غزة اقتصاديا وعسكريا.. فيما يكتفي هو وحزبه بالفرجة وإلقاء النصائح \"الثورية\".
السياسة البريطانية التي عُرفت عبر تاريخها بالدهاء لا تؤمن بالثورية مدى الحياة بل إن المصالح يمكن أن تُفرّق بين الأصدقاء وتجمع الأعداء، ولهذا ألقت بالطعم لحزب الله، وهي تنتظر الاستجابة خاصة أن طرفا أهم منه وأقوى في إدامة الحياة لفريق الممانعة، ونعني سوريا، بدأ يتفاعل مع المغازلة التي تأتيه من كل الاتجاهات لفك الارتباط مع طهران.
سوريا تحولت إلى قبلة للزيارات والوفود، والأسد صار نجم اللقاءات العربية، والغزل والإغراءات صارت على المكشوف.
مع العلم أن العناية المفرطة بسوريا بدأها ساركوزي منذ الصائفة الماضية حين استقبل الرئيس بشار الأسد في الإليزيه وجعله نجم الاحتفاء بتأسيس الاتحاد من أجل المتوسط ثم الاحتفالات بالعيد الوطني الفرنسي.
لكن الإغراءات الأوروبية الأمريكية التي كان ساركوزي عرابها لم تتجاوز حد الوعود والإيحاءات والافتراضات، لكنها كانت تطلب تنازلات سورية عملية في ملفي لبنان والعراق، وطبيعي أن تخبو الموجة لتجدد الآن بفاعلين جدد.
وواضح أن أطرافا عربية معتدلة وثرية حملت على عاتقها تنفيذ الجزء الرئيسي من الحرب بالوكالة على طهران، وأولى عناصرها غرس النزاعات داخل فريق الممانعة وإغراء أطرافه وخاصة الطرف القوي، ونعني سوريا، ولا نستبعد أن تعرض هذه الدول إغراءات فعلية تنفّذ مباشرة حال التفاعل السوري، ولا تقف تلك الإغراءات عند الأموال، أو الأسعار التفاضلية والهبات النفطية، بل تمتد إلى عرض سخي آخر هو إعطاء دمشق دور سياسي متقدم في \"جنة\" الاعتدال والشرط يسمح بذلك خاصة في ظل انكفاء الدور المصري وترهله، وهو ما يجعل الأمريكيين يقبلون التضحية به بسهولة ويسر.
وفضلا عن هذا فإن الترضية الأمريكية جاهزة لدمشق لو أشرت بالإيجاب، وهي استعادة الجولان عبر التفاوض المباشر مع إسرائيل.
ونحن نتحدث عن العروض العربية والغربية لدمشق، لا نستطيع أن نجزم بالتفاعل السوري السريع، فهذا البلد يتقن اللعب على التوازنات الدولية والإقليمية، وانحيازه للقضايا العربية وإن فرض عليه الكثير من التضحيات، فإنه يشكل الضمانة الأساسية للدور الإقليمي الراهن والذي لا غنى عنه عربيا ودوليا.
لا يمكن هنا أن نستهين بالحرب الخفية التي تجري على قدم وساق لخنق طهران وقصقصة أجنحتها، ففضلا عن إغواء وشق حلف الممانعة، ستتلقى طهران صفعة لاذعة من العراق الذي مثّل في السنوات الست الأخيرة ملاذها الآمن، فقد ساعدت الغزو ودعمت الفوضى لتجعل الولايات المتحدة في ورطة يصعب عليها فيها استهداف طهران ومهاجمتها، بل الاستعانة بها والتنازل لفائدتها..
إيران أحكمت اللعبة من خلال تدعيم الموالين لها وتسهيل مهمتهم في السيطرة على حكم العراق الجديد، لكن المراجعات الأمريكية التي بدأت مع تقرير لجنة بيكر – هاملتون توصلت إلى قرار الانسحاب \"المسؤول\" بما يلغي كل مبررات طهران في تغذية وتعميق الفوضى والخلافات، وزيادة على ذلك فإن واشنطن نجحت في تهميش الأحزاب والمليشيات المقرّبة من طهران، وتكفي الإشارة إلى أن انتخابات المحافظات الأخيرة في العراق صعّدت البراغماتيين والليبراليين ومعادي الأحزاب المذهبية (المجلس الأعلى، الفضيلة، التيار الصدري...).
والانفتاح الأمريكي المفاجئ على شق من التيار البعثي وتسهيل عودة الكادر العسكري والأمني القديم إلى الوزارات وتشجيع التحاق شخصيات مقربة من البعث بحكومة المالكي كلها عوامل تجعل من الانتخابات التشريعية القادمة أفقا للقطع مع النفوذ الإيراني في العراق.
وغير بعيد غيّرت واشنطن إدارتها للملف الأفغاني، فرغم إرسال 20 ألف جندي إضافي والوعد بعشرات الآلاف الآخرين والإيهام بأن القضاء على \"الإرهاب\" في أفغانستان هو الحرب الاستراتيجية، فإن الأمريكيين يعرضون علانية التفاوض مع طالبان وهم على استعداد للقبول بحكومة هجينية تجمع بين براغماتيي طالبان وأنصار كرازاي، والرسالة لا تحتاج إلى كثير من العناء لتفهم دلالاتها.
الإدارة الأمريكية قررت محاصرة إيران سياسيا وأمنيا لتحقيق الهدف الرئيسي الذي ظلت إسرائيل تذكّر به بوش قبل أن يغادر ورمت به في عنق أوباما منذ اليوم الأول له في البيت الأبيض، وقد تسربت تقارير مباشرة بعد أدائه اليمين الدستورية تقول إن تل أبيب منحته 3 أشهر ليقرر مهاجمة النووي الإيراني وإلا فإنها ستتولى المهمة بنفسها.
إن الوجود الأمريكي المكثف في أفغانستان وباكستان لن يقف دوره عند حد التهديد الأمني الذي صار مثل الطوق (قوات وقواعد في العراق والخليج وتركيا وباكستان وأفغانستان)، بل سيحقق هدفا آخر أكثر تأثيرا، وهو منع النفط والغاز وحركة التعامل التجاري مع الهند والصين واليابان وربما روسيا التي عرضت عليها واشنطن صفقة كبيرة مقابل تجميد دورها في تجهيز مفاعل بوشهر.
هذا التوصيف الدقيق أردنا من خلاله التأكيد على أهمية الدور العربي في خنق إيران، أو تفويت الفرصة على خنقها وما للخيارين من تأثيرات استراتيجية على المنطقة ككل وعلى العرب.
خنق إيران ليس في مصلحة العرب بل يضر بقضاياهم المصيرية، وبقطع النظر عن دورها السلبي في العراق ومحاولتها إثارة الفتن المذهبية لزعزعة الأمن الخليجي، فإن محاصرتها مقدمة لضربها كما حدث مع العراق يعني غياب أقطاب إقليمية عدا إسرائيل، أي فسح المجال أمامها لتصبح القطب الأول والأساسي، وهذا يعني فرض التطبيع معها وتعويم القضية الفلسطينية بالشكل الذي تريده، وفتح الأسواق العربية أمامها وكسر الثقافة العدائية تجاهها.
وهذا يعني أن القيادات العربية المعتدلة قدمت المنطقة على طبق من فضة لإسرائيل وخلقت الشروط الموضوعية لإقامة الشرق الأوسط الجديد الذي حاولت إدارة المحافظين الجدد طيلة ثماني سنوات من الحرب والضغوط تمريره ليأتي أوباما بأسلوب وضع السم في الدسم ويحققه بيسر بفعل تفاني الدول العربية \"الكبرى\" في خدمة السياسات الأمريكية مقابل الحفاظ على استقرارها في السلطة وضمان عدم إثارة الولايات المتحدة لقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية والتناوب على السلطة ضدها، أي تعوّم القضايا الكبرى وتقدمها رشاوى للإدارات الأمريكية المتعاقبة.
لكن قراءة هذه الأنظمة للمستقبل قراءة خاطئة ومضللة، فانهيار الأقطاب الإقليمية الأخرى يعني آليا أن الدور الخدماتي الذي ينهض به الفريق المعتدل لن يكون له فائدة في المستقبل، ففيم ستحتاجهم أمريكا إذا سقط صدام ثم إيران وتم تعويم الدور التركي؟
إن هذا الدور هو عبارة عن لعب بالنار ليس فقط بمستقبل المنطقة، بل بمستقبل العائلات والعشائر الحاكمة، مع العلم أن استمرار اللعبة بصورتها الحالية تقدم أكبر خدمة للتيار المتشدد الذي يهدد باجتياح الفضاء العربي الإسلامي من جديد، ولعل التفجير الذي حدث مؤخرا في أحد الأسواق المصرية أبلغ رسالة على أن حركة \"الجهاد\" قد تعود في ثوب جديد، وقد تترك مكانها للقاعدة، تماما مثل حماس التي تحاول التمسك باعتدالها والمرونة في التعاطي مع الظرف، لكن الضغوط العربية (المصرية أساسا) قد تدفع حماس إلى التنازل كما فعلت فتح، وهذا يعني صعود تيار من الصقور الفلسطينيين الذين لا يؤمنون بالتفاوض ولا بالرعاية العربية التي صار هدفها تطويع القضية المركزية للشروط الإسرائيلية.
مع الإشارة هنا إلى ان رسائل دقيقة وهادفة يطلقها أوباما باتجاه \"الإسلام السياسي المعتدل\" تفيد بانفتاح محتمل عليه \"والتوسط\" على المستوى القطري لوقف الضغوط الرسمية تجاهه، وتخفي هذه الرسالة التي قد تبقى حبرا على ورق رغبة في تحييد هذه الحركات في الصراع القادم، خاصة أن أخطاء طهران المذهبية تعطي مسوغات كثيرة لنجاح خطة أوباما.
إن موجة العداء المتصاعدة ضد طهران موجة موجّهة أمريكيا وإسرائيليا، وهي تتسقّط الأخطاء الإيرانية المتكاثرة، وخاصة التصريحات العدائية تجاه البحرين والإمارات ومصر، من أجل خلق ذات الشروط التي سمحت بضرب العراق والإطاحة بصدام.
وإن كنا لا ننتظر أن يغيّر الإيرانيون أسلوبهم في استفزاز الدوائر العربية، فإننا نتمنى أن تتولى القوى العربية والإسلامية الفاعلة مهمة الضغط لمنع تحول العرب إلى كومبارس تتم عبره تصفية الحسابات شرقا وغربا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق