الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

إيران انتصرت في العراق.. ولو إلى حين

مختار الدبابي

كل الدلائل تقول إن إيران فرضت خيارها بالعراق وإن المالكي سيكون رئيس الوزراء القادم، وإن الإدارة الأمريكية أحنت رأسها للعاصفة وقبلت بالمالكي على مضض، وإنها ستتخلى عن علاوي مرشحا لرئاسة الوزراء؛ ومن ثمة سقطت وعودها لبعض الأطراف السنية التي قبلت بمظلة علاوي رغم اختلافها مع تاريخه وطبيعة برنامجه.
إيران أثبتت أنها لاعب قوي في العراق، ليس فقط من خلال فوز الأطراف التابعة مذهبيا وسياسيا لها مثل أحزاب: الدعوة والمجلس الأعلى والتيار الصدري والفضيلة، وإنما، أيضا، تميزت إيران بأنها نجحت في إدارة ملف العراق في سياق حربها السياسية والدبلوماسية مع الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية التابعة لسطوة البيت الأبيض.
فواشنطن توهمت أنها أجرت الانتخابات في العراق وفق مقاساتها، وأن النتائج ستسمح لها بالمرور إلى خطوة هامة في حربها ضد طهران، وهي خطوة تقليص قواتها من على الأرض والاكتفاء بأعداد محدودة في القواعد العسكرية مع توفير عشرات الآلاف من المرتزقة بغاية فتح باب الحرب على إيران دون أن تكون رقبة الولايات المتحدة على المقصلة.
وهذا يعني ألا يكون الأمريكيون بالعراق رهائن لهجوم إيراني محتمل، وأن يتولى المرتزقة "أو لنسمهم بالمصطلح الشائع العاملين في الشركات الأمنية" مهمة التعطيل والتخريب وتوتير الوضع الأمني، لكن الخطة الأمريكية كانت تفترض بالضرورة تشكيل حكومة عراقية "صديقة" تحوز القبول الإقليمي ويكون دورها الأساسي قصقصة أجنحة إيران في العراق وإلهاء الأطراف التابعة لها بقضايا ثانوية ذات تفاصيل تشريعية وقانونية ووقف هيمنتها على وزارات السيادة "الأمن، الجيش، المالية، النفط".
لكن المشروع الأمريكي مهدد بالسقوط في الماء مع التفوق الإيراني العالي في مجال المناورة وحبك التحالفات وقراءة بنود الدستور الذي صاغه بريمر على هواه وتركه مليئا بالمطبات، أو لنقل بوضوح إن إيران هي من مررت تلك المطبات ووضعت البنود الملغمة في طريقه، لكن بريمر، الكوبوي المغرور، وقع في المحظور من حيث توهم أنه وضع الدستور على المقاسات الأمريكية.
ورغم أن واشنطن حرّكت "صداقاتها" في المنطقة لدعم علاوي قبل النجاح في الانتخابات وبعدها، لكن السخاء السعودي و"الود" السوري لم يفلحا في تقوية علاوي والجبهة التي شكلها والصعود بها إلى هرم السلطة، بل إن هذه الجبهة مرشحة للانفجار الآن، خاصة مع تلميحات طارق الهاشمي في تصريحاته المختلفة بأن لا مشكلة له مع حكومة يشكلها المالكي.
والحقيقة التي تتخفى عن أعين البعض أن "قائمة" علاوي هي في عمقها قائمة سنية أضيف إليها بعض "العلمانيين" المرتبطين تاريخيا بأمريكا ودول "الاعتدال" الخليجي، وبعض البعثيين "التائبين" الذين وضعوا الساق في الركاب الأمريكي، وحاولت تقديم نفسها في صورة الجبهة غير الطائفية ملوحة بشعارات الوطنية، والعمق العربي، ومحاربة الطائفية.
وقراءتنا للاتجاهات الحدث أن الهاشمي هو من سيقرأ الفاتحة على روح هذه "القائمة"، فهذا الرجل ذو الخط الإخواني البراغماتي الذي يبحث عن "المصلحة"، ولو لدى الشيطان "الإيراني والأمريكي على السواء"'، سوف يدير ظهره لعلاوي وجماعته ويلتحق بحكومة المالكي، خاصة أن واشنطن ومن ورائها الرياض ستتعاملان مع الحكومة "الإيرانية" الجديدة وستحاولان اختبار فاعلية الوعود التي يقدمها السيد المالكي، وسيكون الهاشمي همزة الوصل المتقدمة بين الطرفين.
وبالنتيجة، فإن الخيار الإيراني هو الذي تحقق على الأرض، بقطع النظر عن تصريحات السيد المالكي ووعوده وتطعيمه للحكومة بوجوه "أمريكية" أو "سنية معتدلة" و"الجفاء" الذي قد تبديه مصر أو السعودية أو سوريا.
لقد سقطت مسوغات التهدئة التي قادت أطرافا سنية مقاومة إلى دخول لعبة التطمينات الخليجية الأمريكية والتي غيرت بوصلتها من أطراف مقاومة للاحتلال الأمريكي البريطاني إلى أداة أمريكية في حرب طائفية يعود ريعها لفائدة واشنطن في معركتها ضد طهران كقوة صاعدة إقليميا.
وسيكون مصير الصحوات، التعبيرة الأمنية للتقارب الأمريكي السني، مصيرا معقدا؛ ولن يقف الأمر عند منع إدماجها في قوات الأمن والجيش بل ستكون مناط استهداف مزدوج لوجودها من القوات "الحكومية" ذات الصبغة الطائفية الشيعية "المعبّرة عن مصالح طهران" من جهة أولى، ومن تنظيم "القاعدة" والتعبيرات السلفية الأخرى التي رفضت أن تسير في الركب الأمريكي من جهة ثانية واستمرت في المواجهة المفتوحة مع الوجود الأمريكي.
وبالتأكيد فإن كسر تحكم الصراع الأمريكي الإيراني في مختلف مفاصل اللعبة السياسية والأمنية وقيادته العراق، لن يتم إلا من خلال تشكل جبهة وطنية عراقية مقاومة للوجود الأجنبي بالعراق "الأمريكي والإيراني" سياسيا وإعلاميا وتُخرج للعالم الصورة العراقية كما هي، كحرب تحرير وطني، وليس كفضاء للاستقطاب الأمريكي الإيراني، أو جزء من الحرب الأمريكية على الإرهاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق