الثلاثاء، 21 ديسمبر 2010

ويكيليكس يجلد السلطة: هل انتهى دور عباس؟

مختار الدبابي*

من البداية لم نغتر بـ"لعبة" ويكيليكس التي راح صانعوها يصفّون الحساب مع الأقطار العربية وقياداتها ومؤسساتها وقضاياها بشكل منظم وموجّه.

ورغم إيماننا بالدور الكبير الذي تلعبه التكنولوجيا في تفاصيل حياتنا ما يجعل الحصول على المعلومة مهْما كانت صعبة أو سرية أمرا ممكنا وسهلا، ومن ثمة لم يكن مفاجئا لنا نظريا أن "يسرق" جندي مجهول ملايين الوثائق الأمريكية ويسلمها إلى مالك موقع ويكيليكس، لكننا لم نصدق "براءة" التسريبات ولم نقتنع أن الجندي العادي لم يحصل إلا على وثائق تجلد العرب وتقدم بعض زعمائهم في صورة من يعمل ضد شعبه وأمّته فيما ظلت إسرائيل خارج التسريبات، وبدت الإدارة الأمريكية (الراهنة والسابقة) هي من يتحكم في المشهد الدولي كله.

إن نظرية المؤامرة تفرض نفسها، هنا، إذا نظرنا إلى المشهد في شموليته، أي بعيدا عن الشماتة في هذا النظام العربي أو ذاك، وإذا لم نغرق في التفاصيل وتصفية الحساب والنظر أمام أنوفنا.

فالهدف الكبير للتسريبات لم يكن إدانة أنظمة عربية غارقة في الفساد أو تعمل جاهدة من أجل تحقيق الأجندة الأمريكية في المنطقة حتى دون أن تطلب الإدارة الأمريكية ذلك، وإنما تقديم الأمة في صورة سيئة ما يُعطي الانطباع لكل العالم أن هذه الأمة تستحق ما يلحق بها من غزو وحصار ومؤامرات.
ومن ثمة إعطاء مشروعية للحرب الأمريكية على "الإرهاب" واحتلال العراق وتشطير السودان، ثم وأساسا إعطاء "مشروعية أخلاقية" للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ومختلف استتباعاته (إفراغ القدس المحتلة من أهلها الشرعيين، توسيع الاستيطان..).
في هذا السياق، جاءت "التسريبات" الأخيرة لويكيليكس هادفة إلى تصفية السلطة الفلسطينية والاستهانة برموزها والتحريض عليها من خلال كشف علاقتها بالعدوان على غزة نهاية 2008، والتركيز على المراحل المتقدمة التي قطعها التنسيق الأمني بين الاجهزة الأمنية للسلطة والدوائر الأمنية الصهيونية.
وهي رسالة دقيقة في مرحلة دقيقة؛
فالسلطة الفلسطينية، وفي مقدمتها الرئيس محمود عباس، اكتشفت بعد ما يُقارب العقدين من التفاوض والتنازلات المؤلمة والمجانية أن إسرائيل تفاوض لأجل التفاوض وربح الوقت وليس في نيتها الاعتراف بأي دولة فلسطينية ولو على شبر واحد من الأرض، واكتشفت السلطة من ثمة أنها مجرد لعبة في لعبة أكبر وأوسع مدى، ولذلك سمعنا الرئيس محمود عباس يهدد بالانسحاب والاستقالة في أكثر من مرة، لكنه كان يتراجع تحت ضغوط أمريكية مصرية على وجه الخصوص.
وبالنتيجة، فإن القراءة الإسرائيلية الأمريكية انتهت في هذا السياق إلى نتيجة رئيسية، وهي أن زمن عباس قد انتهى ولا بد من سلطة جديدة تكون قادرة على تقديم المزيد من التنازلات دون سقف ولا ضوابط، وسيكون عرابوها من داخل السلطة ذاتها ممن تمتلك عليهم الدوائر الإسرائيلية ملفات في الفساد والتآمر على شعبها، أو من بين المنظّرين للسلام الاقتصادي الذي يعني ببساطة الأكل مقابل الأرض.
وحين تتوفر الشروط الموضوعية لتشكل "السلطة البديلة" سيُسمح للرئيس محمود عباس أن يستقيل بـ"كرامة" و"عزة نفس"، أو سيُعطى الأمر لـ"المؤسسات الديمقراطية" الفلسطينية أن تقيله (خاصة أنه لم يعُد رئيسا من وجهة نظر قانونية ودستورية) أو تدعو لانتخابات "سابقة لأوانها".
ومن المهم، هنا، الإشارة إلى أن تسريبات ويكيليكس "البريئة" قد تعمّدت تحقيق أهداف جانبية أخرى ستساعدها في الوصول إلى مرحلة "السلطة البديلة"، وأهمها إضعاف حركة فتح ودفع أعضائها ومتعاطفيها إلى أتون الصراع والخلافات الحادة وإعادة الحركة إلى مراحل قديمة كانت قطعت معها وساد فيها خطاب التخوين والعمالة والمزايدة حول الوطنية.
وإضعاف فتح أو شق صفوفها يعني آليا إضعاف أحد أهم مكامن القوة لدى الشعب الفلسطيني (رغم حالة الاختطاف التي تعيشها)، يضاف إليها توسيع دائرة العداء بين القوى والفصائل الوطنية المؤثرة خاصة بعد التسريبات الأخيرة عن التنسيق الأمني التي أعطت حركة حماس الفرصة كي تهاجم فتح بقوة.
ومن ثمة نجحت إسرائيل عبر ويكليكس في أن توسع هوة الخلافات بين الحركتين وتئد ما تبقى من آمال ضعيفة في فرص نجاح جهود المصالحة الوطنية.
ولا بد من التذكير هنا بالتحريض الذي مارسته تسريبات ويكليكس واستهدفت به حزب الله وسلاحه وعلاقته المفترضة بإيران وسوريا، وهو تحريض متماه في الأهداف مع التسريبات الأمريكية الفرنسية السابقة له عن قرار محتمل يصدر عن المحكمة الدولية يورط حزب الله في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، والهدف من وراء هذا كله هو توفير الشروط الموضوعية لمحاصرة الحزب ونزع سلاحه وإعطاء "مبررات" لحرب إسرائيلية مفاجئة ضده.
وفي سياق آخر من وجوه التوظيف الفج والمفضوح التي تمارسها الأطراف التي تقف وراء "تسريبات" ويكيليكس نشير إلى ما جاء من اتهام للرئيس السوداني عمر البشير من سرقة مليارات الدولارات ووضعها بأحد الحسابات الخاصة بالخارج، وهو تسريب يهدف إلى الضغط على البشير حتى لا يكون عقبة أمام عملية الانفصال في الجنوب، وهي عملية تراهن أمريكا على تمريرها بكل السبل في سياق خططها الاستراتيجية لتفتيت الأمة إلى دويلات قزمية ستكون تابعة ومرتهنة للاستعمار الجديد بالضرورة.
وهكذا، لم يكن مفاجئا أن تختص "تسريبات" ويكيليكس بالعرب لتوجد الأرضية اللازمة لمواصلة ابتزازهم والتآمر عليهم.

* نص افتتاحية العرب العالمية (22 – 12 - 2010)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق